فصل: أَمْرُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ إذَا صَلّى جَالِسًا أَنْ يُصَلّوا جُلُوسًا لِئَلّا يَقُومُوا عَلَى رَأْسِهِ وَهُو جالسٌ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمَنْعِ مِنْ التّدَاوِي بِالْمُحَرّمَاتِ:

رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدّرْدَاءِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «إنّ اللّهَ أَنْزَلَ الدّاءَ وَالدّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِالْمُحَرّمِ». وَذَكَر الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: إنّ اللّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرّمَ عَلَيْكُمْ وَفِي السّنَنِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ الدّوَاءِ الْخَبِيثِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيّ أَنّهُ سَأَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا فَقَالَ إنّمَا أَصْنَعُهَا لِلدّوَاءِ فَقَالَ إنّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنّهُ دَاءٌ وَفِي السّنَنِ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُئِلَ عَنْ الْخَمْرِ يُجْعَلُ فِي الدّوَاءِ فَقَالَ إنّهَا دَاءٌ وَلَيْسَتْ بِالدّوَاءِ أَبُو دَاوُدَ وَاَلتّرْمِذِيّ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ سُوَيْدٍ الْحَضْرَمِيّ قَالَ قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ بِأَرْضِنَا أَعْنَابًا نَعْتَصِرُهَا فَنَشْرَبُ مِنْهَا قَالَ لَا فَرَاجَعْته قُلْتُ إنّا نَسْتَشْفِي لِلْمَرِيضِ قَالَ إنّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشِفَاءٍ وَلَكِنّهُ دَاءٌ وَفِي سُنَنِ النّسَائِيّ أَنّ طَبِيبًا ذَكَرَ ضِفْدَعًا فِي دَوَاءٍ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَهَاهُ عَنْ قَتْلِهَا وَيُذْكَرُ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مَنْ تَدَاوَى بِالْخَمْرِ فَلَا شَفَاهُ اللّهُ.

.بَيَانُ قُبْحِ الْمُعَالَجَةِ بِالْمُحَرّمَاتِ عَقْلًا:

الْمُعَالَجَةُ بِالْمُحَرّمَاتِ قَبِيحَةٌ عَقْلًا وَشَرْعًا أَمّا الشّرْعُ فَمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا وَأَمّا الْعَقْلُ فَهُوَ أَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ إنّمَا حَرّمَهُ لِخُبْثِهِ فَإِنّهُ لَمْ يُحَرّمْ عَلَى هَذِهِ الْأُمّةِ طَيّبًا عُقُوبَةً لَهَا كَمَا حَرّمَهُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ بِقَوْلِهِ: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الّذِينَ هَادُوا حَرّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيّبَاتٍ أُحِلّتْ لَهُمْ} [النّسَاء: 160]؛ وَإِنّمَا حَرّمَ عَلَى هَذِهِ الْأُمّةِ مَا حَرّمَ لِخُبْثِهِ وَتَحْرِيمُهُ لَهُ حَمِيّةً لَهُمْ وَصِيَانَةً عَنْ تَنَاوُلِهِ فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يُطْلَبَ بِهِ الشّفَاءُ مِنْ الْأَسْقَامِ وَالْعِلَلِ فَإِنّهُ وَإِنْ أَثّرَ فِي إزَالَتِهَا لَكِنّهُ يُعْقِبُ سَقَمًا أَعْظَمَ مِنْهُ فِي الْقَلْبِ بِقُوّةِ الْخُبْثِ الّذِي فِيهِ فَيَكُونُ الْمُدَاوَى بِهِ قَدْ سَعَى فِي إزَالَةِ سُقْمِ الْبَدَنِ بِسُقْمِ الْقَلْبِ. اتّخَاذِهِ دَوَاءً حَضّ عَلَى التّرْغِيبِ فِيهِ وَمُلَابَسَتِهِ وَهَذَا ضِدّ مَقْصُودِ الشّارِعِ وَأَيْضًا فَإِنّهُ دَاءٌ كَمَا نَصّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الشّرِيعَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتّخَذَ دَوَاءً. وَأَيْضًا فَإِنّهُ يُكْسِبُ الطّبِيعَةَ وَالرّوحَ صِفَةَ الْخُبْثِ لِأَنّ الطّبِيعَةَ تَنْفَعِلُ عَنْ كَيْفِيّةِ الدّوَاءِ انْفِعَالًا بَيّنًا فَإِذَا كَانَتْ كَيْفِيّتُهُ خَبِيثَةً اكْتَسَبَتْ الطّبِيعَةُ مِنْهُ خُبْثًا فَكَيْفَ إذَا كَانَ خَبِيثًا فِي ذَاتِهِ وَلِهَذَا حَرّمَ اللّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى عِبَادِهِ الْأَغْذِيَةَ وَالْأَشْرِبَةَ وَالْمَلَابِسَ الْخَبِيثَةَ لِمَا تُكْسِبُ النّفْسَ مِنْ هَيْئَةِ الْخُبْثِ وَصِفَتِهِ.

.التّدَاوِي بِهِ ذَرِيعَةٌ إلَى تَعَاطِيهِ:

وَأَيْضًا فَإِنّ فِي إبَاحَةِ التّدَاوِي بِهِ وَلَا سِيّمَا إذَا كَانَتْ النّفُوسُ تَمِيلُ إلَيْهِ ذَرِيعَةً إلَى تَنَاوُلِهِ لِلشّهْوَةِ وَاللّذّةِ لَا سِيّمَا إذَا عَرَفَتْ النّفُوسُ أَنّهُ نَافِعٌ لَهَا مُزِيلٌ لِأَسْقَامِهَا جَالِبٌ لِشِفَائِهَا فَهَذَا أَحَبّ شَيْءٍ إلَيْهَا وَالشّارِعُ سَدّ الذّرِيعَةَ إلَى تَنَاوُلِهِ بِكُلّ مُمْكِنٍ وَلَا رَيْبَ أَنّ بَيْنَ سَدّ الذّرِيعَةِ إلَى تَنَاوُلِهِ وَفَتْحِ الذّرِيعَةِ إلَى تَنَاوُلِهِ تَنَاقُضًا وتَعَارُضًا. وَأَيْضًا فَإِنّ فِي هَذَا الدّوَاءِ الْمُحَرّمِ مِنْ الْأَدْوَاءِ مَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُظَنّ فِيهِ مِنْ الشّفَاءِ وَلْنَفْرِضْ الْكَلَامَ فِي أُمّ الْخَبَائِثِ الّتِي مَا جَعَلَ اللّهُ لَنَا فِيهَا شِفَاءً قَطّ فَإِنّهَا شَدِيدَةُ الْمَضَرّةِ بِالدّمَاغِ الّذِي هُوَ مَرْكَزُ الْعَقْلِ عِنْدَ الْأَطِبّاءِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلّمِينَ. قَالَ أَبِقِرَاطٍ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ فِي الْأَمْرَاضِ الْحَادّةِ ضَرَرُ الْخَمْرَةِ بِالرّأْسِ شَدِيدٌ. لِأَنّهُ يُسَرّعُ الِارْتِفَاعَ إلَيْهِ. وَيَرْتَفِعُ بِارْتِفَاعِهِ الْأَخْلَاطُ الّتِي تَعْلُو فِي الْبَدَنِ وَهُوَ كَذَلِكَ يَضُرّ بِالذّهْنِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْكَامِلِ: إنّ خَاصّيّةَ الشّرَابِ الْإِضْرَارُ بِالدّمَاغِ وَالْعَصَبِ. وَأَمّا غَيْرُهُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْمُحَرّمَةِ فَنَوْعَانِ أَحَدُهُمَا: تَعَافُهُ النّفْسُ وَلَا تَنْبَعِثُ لِمُسَاعَدَتِهِ الطّبِيعَةُ عَلَى دَفْعِ الْمَرَضِ بِهِ كَالسّمُومِ وَلُحُومِ الْأَفَاعِي وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُسْتَقْذَرَاتِ فَيَبْقَى كَلّا عَلَى الطّبِيعَةِ مُثْقِلًا لَهَا فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ دَاءً لَا دَوَاءً.
وَالثّانِي: مَا لَا تَعَافُهُ النّفْسُ كَالشّرَابِ الّذِي تَسْتَعْمِلُهُ الْحَوَامِلُ مَثَلًا فَهَذَا ضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ وَالْعَقْلُ يَقْضِي بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ فَالْعَقْلُ وَالْفِطْرَةُ مُطَابِقٌ لِلشّرْعِ فِي ذَلِكَ. وَهَاهُنَا سِرّ لَطِيفٌ فِي كَوْنِ الْمُحَرّمَاتِ لَا يُسْتَشْفَى بِهَا فَإِنّ شَرْطَ الشّفَاءِ بِالدّوَاءِ تَلَقّيه بِالْقَبُولِ وَاعْتِقَادُ مَنْفَعَتِهِ وَمَا جَعَلَ اللّهُ فِيهِ مِنْ بَرَكَةِ الشّفَاءِ فَإِنّ النّافِعَ هُوَ الْمُبَارَكُ وَأَنْفَعُ الْأَشْيَاءِ أَبْرَكُهَا وَالْمُبَارَكُ مِنْ النّاسِ أَيْنَمَا كَانَ هُوَ الّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ حَيْثُ حَلّ وَمَعْلُومٌ أَنّ اعْتِقَادَ الْمُسْلِمِ تَحْرِيمَ هَذِهِ الْعَيْنِ مِمّا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اعْتِقَادِ بَرَكَتِهَا وَمَنْفَعَتِهَا وَبَيْنَ حُسْنِ ظَنّهِ بِهَا وَتَلَقّي طَبْعِهِ لَهَا بِالْقَبُولِ بَلْ كُلّمَا كَانَ الْعَبْدُ أَعْظَمَ إيمَانًا كَانَ أَكْرَهَ لَهَا وَأَسْوَأَ اعْتِقَادًا فِيهَا وَطَبْعُهُ أَكْرَهَ شَيْءٍ لَهَا فَإِذَا تَنَاوَلَهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ كَانَتْ دَاءً لَهُ لَا دَوَاءً إلّا أَنْ يَزُولَ اعْتِقَادُ الْخُبْثِ فِيهَا وَسُوءُ الظّنّ وَالْكَرَاهَةُ لَهَا بِالْمَحَبّةِ وَهَذَا يُنَافِي الْإِيمَانَ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا الْمُؤْمِنُ قَطّ إلّا عَلَى وَجْهِ دَاءٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي عِلَاجِ الْقَمْلِ الّذِي فِي الرّأْسِ وَإِزَالَتِهِ:

فِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ كَانَ بِي أَذًى مِنْ رَأْسِي فَحُمِلْتُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ مَا كُنْت أَرَى الْجَهْدَ قَدْ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى وَفِي رِوَايَةٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ وَأَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتّةٍ أَوْ يُهْدِيَ شَاةً أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ وَالثّانِي مِنْ خَلْطٍ رَدِيءٍ عَفِنٍ تَدْفَعُهُ الطّبِيعَةُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللّحْمِ فَيَتَعَفّنُ بِالرّطُوبَةِ الدّمَوِيّةِ فِي الْبَشَرَةِ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ الْمَسَامّ فَيَكُونُ مِنْهُ الْقَمْلُ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِلَلِ وَالْأَسْقَامِ وَبِسَبَبِ الْأَوْسَاخِ وَإِنّمَا كَانَ فِي رُءُوسِ الصّبْيَانِ أَكْثَرَ لِكَثْرَةِ رُطُوبَاتِهِمْ وَتَعَاطِيهِمْ الْأَسْبَابَ الّتِي تُوَلّدُ الْقَمْلَ وَلِذَلِكَ حَلَقَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رُءُوسَ بَنِي جَعْفَرٍ.

.عِلَاجُهُ بِالْحَلْقِ ثُمّ بِالطّلْيِ بِالْأَدْوِيَةِ:

وَمِنْ أَكْبَرِ عِلَاجِهِ حَلْقُ الرّأْسِ لِتَنْفَتِحَ مَسَامّ الْأَبْخِرَةِ فَتَتَصَاعَدُ الْأَبْخِرَةُ الرّدِيئَةُ فَتُضْعِفُ مَادّةَ الْخَلْطِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْلَى الرّأْسُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْأَدْوِيَةِ الّتِي تَقْتُلُ الْقَمْلَ وَتَمْنَعُ تَوَلّدَهُ.

.أَنْوَاعُ حَلْقِ الرّأْسِ:

وَحَلْقُ الرّأْسِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا: نُسُكٌ وَقُرْبَةٌ.
وَالثّانِي: بِدْعَةٌ وَشِرْكٌ وَالثّالِثُ حَاجَةٌ وَدَوَاءٌ فَالْأَوّلُ الْحَلْقُ فِي أَحَدِ النّسُكَيْنِ الْحَجّ أَوْ الْعُمْرَةِ.
وَالثّانِي: حَلْقُ الرّأْسِ لِغَيْرِ اللّهِ سُبْحَانَهُ كَمَا يَحْلِقُهَا الْمُرِيدُونَ لِشُيُوخِهِمْ فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ أَنَا حَلَقْتُ رَأْسِي لِفُلَانٍ وَأَنْتَ حَلَقْته لِفُلَانٍ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ سَجَدْتُ لِفُلَانٍ فَإِنّ حَلْقَ الرّأْسِ خُضُوعٌ وَعُبُودِيّةٌ وَذُلّ وَلِهَذَا كَانَ مِنْ تَمَامِ الْحَجّ حَتّى إنّهُ عِنْدَ الشّافِعِيّ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهِ لَا يَتِمّ إلّا بِهِ فَإِنّهُ وَضْعُ النّوَاصِي بَيْنَ يَدَيْ رَبّهَا خُضُوعًا لِعَظَمَتِهِ وَتَذَلّلًا لِعِزّتِهِ وَهُوَ مِنْ أَبْلَغِ أَنْوَاعِ الْعُبُودِيّةِ وَلِهَذَا كَانَتْ الْعَرَبُ إذَا أَرَادَتْ إذْلَالَ الْأَسِيرِ مِنْهُمْ وَعِتْقَهُ حَلَقُوا رَأْسَهُ وَأَطْلَقُوهُ فَجَاءَ شُيُوخُ الضّلَالِ وَالْمُزَاحِمُونَ لِلرّبُوبِيّةِ الّذِينَ أَسَاسُ مَشْيَخَتِهِمْ عَلَى الشّرَكِ وَالْبِدْعَةِ فَأَرَادُوا مِنْ مُرِيدِيهِمْ أَنْ يَتَعَبّدُوا لَهُمْ فَزَيّنُوا لَهُمْ حَلْقَ رُءُوسِهِمْ لَهُمْ كَمَا زَيّنُوا لَهُمْ السّجُودَ لَهُمْ وَسَمّوْهُ بِغَيْرِ اسْمِهِ وَقَالُوا: هُوَ وَضْعُ الرّأْسِ بَيْنَ يَدَيْ الشّيْخِ وَلَعَمْرُ اللّهِ إنّ السّجُودَ لِلّهِ هُوَ وَضْعُ الرّأْسِ بَيْنَ يَدَيْهِ سُبْحَانَهُ وَزَيّنُوا لَهُمْ أَنْ اتّخَاذُهُمْ أَرْبَابًا وَآلِهَةً مِنْ دُونِ اللّهِ قَالَ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنّبُوّةَ ثُمّ يَقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبّانِيّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنّبِيّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آلَ عِمْرَانَ 79- 80].

.التّحْذِيرُ مِنْ الرّكُوعِ وَالِانْحِنَاءِ لِغَيْرِ اللّهِ وَكَذَا الْقِيَامُ عَلَى رُءُوسِ الْأَكَابِرِ وَهُمْ جُلُوسٌ:

وَأَشْرَفُ الْعُبُودِيّةِ عُبُودِيّةُ الصّلَاةِ وَقَدْ تَقَاسَمَهَا الشّيُوخُ وَالْمُتَشَبّهُونَ بِالْعُلَمَاءِ وَالْجَبَابِرَةُ فَأَخَذَ الشّيُوخُ مِنْهَا أَشْرَفَ مَا فِيهَا وَهُوَ السّجُودُ وَأَخَذَ الْمُتَشَبّهُونَ بِالْعُلَمَاءِ مِنْهَا الرّكُوعَ فَإِذَا لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا رَكَعَ لَهُ كَمَا يَرْكَعُ الْمُصَلّي لِرَبّهِ سَوَاءً وَأَخَذَ الْجَبَابِرَةُ مِنْهُمْ الْقِيَامَ فَيَقُومُ الْأَحْرَارُ وَالْعَبِيدُ عَلَى رُءُوسِهِمْ عُبُودِيّةً لَهُمْ وَهُمْ جُلُوسٌ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الثّلَاثَةِ عَلَى التّفْصِيلِ فَتَعَاطِيهَا. مُخَالَفَةٌ صَرِيحَةٌ لَهُ فَنَهَى عَنْ السّجُودِ لِغَيْرِ اللّهِ وَقَالَ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ وَأَنْكَرَ عَلَى مُعَاذٍ لَمّا سَجَدَ لَهُ وَقَالَ مَهْ مُرَاغَمَةٌ لِلّهِ وَرَسُولِهِ وَهُوَ مِنْ أَبْلَغِ أَنْوَاعِ الْعُبُودِيّةِ فَإِذَا جَوّزَ هَذَا الْمُشْرِكُ هَذَا النّوْعَ لِلْبَشَرِ فَقَدْ جَوّزَ الْعُبُودِيّةَ لِغَيْرِ اللّهِ وَقَدْ صَحّ أَنّهُ قِيلَ لَهُ الرّجُلُ يَلْقَى أَخَاهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ لَا. قِيلَ أَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبّلُهُ قَالَ لَا. قِيلَ أَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ نَعَمْ

.أَمْرُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ إذَا صَلّى جَالِسًا أَنْ يُصَلّوا جُلُوسًا لِئَلّا يَقُومُوا عَلَى رَأْسِهِ وَهُو جالسٌ:

وَأَيْضًا: فَالِانْحِنَاءُ عِنْدَ التّحِيّةِ سُجُودٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجّدًا} [الْبَقَرَةُ 58] أَيْ مُنْحَنِينَ وَإِلّا فَلَا يُمْكِنُ الدّخُولُ عَلَى الْجِبَاهِ وَصَحّ عَنْهُ النّهْيُ عَنْ الْقِيَامِ وَهُوَ جَالِسُ كَمَا تُعَظّمُ الْأَعَاجِمُ بَعْضَهَا بَعْضًا حَتّى مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي الصّلَاةِ وَأَمَرَهُمْ إذَا صَلّى جَالِسًا أَنْ يُصَلّوا جُلُوسًا وَهُمْ أَصِحّاءُ لَا عُذْرَ لَهُمْ لِئَلّا يَقُومُوا عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَ أَنّ قِيَامَهُمْ لِلّهِ فَكَيْفَ إذَا كَانَ الْقِيَامُ تَعْظِيمًا وَعُبُودِيّةً لِغَيْرِهِ سُبْحَانَهُ. وَالْمَقْصُودُ أَنّ النّفُوسَ الْجَاهِلَةَ الضّالّةَ أَسْقَطَتْ عُبُودِيّةَ اللّهِ سُبْحَانَهُ وَأَشْرَكَتْ فِيهَا مَنْ تُعَظّمُهُ مِنْ الْخَلْقِ فَسَجَدَتْ لِغَيْرِ اللّهِ وَرَكَعَتْ لَهُ وَقَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ قِيَامَ الصّلَاةِ وَحَلَفَتْ بِغَيْرِهِ وَنَذَرَتْ لِغَيْرِهِ وَحَلَقَتْ لِغَيْرِهِ وَذَبَحَتْ لِغَيْرِهِ وَطَافَتْ لِغَيْرِ بَيْتِهِ وَعَظّمَتْهُ بِالْحُبّ وَالْخَوْفِ وَالرّجَاءِ وَالطّاعَةِ كَمَا يُعَظّمُ الْخَالِقُ بَلْ أَشَدّ وَسَوّتْ مَنْ تَعْبُدُهُ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ بِرَبّ الْعَالَمِينَ وَهَؤُلَاءِ هُمْ الْمُضَادّونَ لِدَعْوَةِ الرّسُلِ وَهُمْ الّذِينَ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ وَهُمْ الّذِينَ يَقُولُونَ- وَهُمْ فِي النّارِ مَعَ آلِهَتِهِمْ يَخْتَصِمُونَ- {تَاللّهِ إِنْ كُنّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوّيكُمْ بِرَبّ الْعَالَمِينَ} قَالَ فِيهِمْ {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَتّخِذُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْدَادًا يُحِبّونَهُمْ كَحُبّ اللّهِ وَالّذِينَ آمَنُوا أَشَدّ حُبّا لِلّهِ} [الْبَقَرَةُ 165] وَهَذَا كُلّهُ مِنْ الشّرْكِ وَاللّهُ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ. فَهَذَا فَصْلٌ مُعْتَرَضٌ فِي هَدْيِهِ فِي حَلْقِ الرّأْسِ وَلَعَلّهُ أَهَمّ مِمّا قُصِدَ الْكَلَامُ فِيهِ وَاللّهُ الْمُوَفّقُ.

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعِلَاجِ بِالْأَدْوِيَةِ الرّوحَانِيّةِ الْإِلَهِيّةِ الْمُفْرَدَةِ وَالْمُرَكّبَةِ مِنْهَا وَمِنْ الْأَدْوِيَةِ الطّبِيعِيّةِ:

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي عِلَاجِ الْمُصَابِ بِالْعَيْنِ:

رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «الْعَيْنُ حَقّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ».
وَفِي صَحِيحِهِ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَخّصَ فِي الرّقْيَةِ مِنْ الْحُمَةِ وَالْعَيْنِ وَالنّمْلَةِ وَفِي الصّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «الْعَيْنُ حَقّ».
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضّأُ ثُمّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ.
الصّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَمَرَنِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوْ أَمَرَ أَنْ نَسْتَرْقِيَ مِنْ الْعَيْنِ وَذَكَرَ التّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ الزّرْقِيّ أَنّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ بَنِي جَعْفَرٍ تُصِيبُهُمْ الْعَيْنُ أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ؟ فَقَالَ نَعَمْ فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ يَسْبِقُ الْقَضَاءَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ قَالَ التّرْمِذِيّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى مَالِكٌ رَحِمَهُ اللّهُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ رَأَى عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَغْتَسِلُ فَقَالَ وَاَللّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبّأَةٍ قَالَ فَلُبِطَ سَهْلٌ فَأَتَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَامِرًا فَتَغَيّظَ عَلَيْهِ وَقَالَ عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ أَلَا بَرّكْتَ اغْتَسِلْ لَهُ فَغَسَلَ لَهُ عَامِرٌ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثُمّ صَبّ عَلَيْهِ فَرَاحَ مَعَ النّاسِ وَرَوَى مَالِكٌ رَحِمَهُ اللّهُ أَيْضًا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ إنّ الْعَيْنَ حَقّ تَوَضّأْ لَهُ فَتَوَضّأَ لَهُ وَذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا الْعَيْنُ حَقّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ وَإِذَا اسْتُغْسِلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْتَسِلْ قَالَ الزّهْرِيّ: يُؤْمَرُ الرّجُلُ الْعَائِنُ بِقَدَحٍ فَيُدْخِلُ كَفّهُ فِيهِ فَيَتَمَضْمَضُ ثُمّ يَمُجّهُ فِي الْقَدَحِ وَيَغْسِلُ وَجْهَهُ فِي الْقَدَحِ ثُمّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى فَيَصُبّ عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى فِي الْقَدَحِ ثُمّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى فَيَصُبّ عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى ثُمّ يَغْسِلُ دَاخِلَةَ إزَارِهِ وَلَا يُوضَعُ الْقَدَحُ فِي الْأَرْضِ ثُمّ يُصَبّ عَلَى رَأْسِ الرّجُلِ الّذِي تُصِيبُهُ الْعَيْنُ مِنْ خَلْفِهِ صَبّةً وَاحِدَةً. وَالْعَيْنُ عَيْنَانِ عَيْنٌ إنْسِيّةٌ وَعَيْنٌ جِنّيّةٌ فَقَدْ صَحّ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ فَقَالَ اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنّ بِهَا النّظْرَةَ قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْفَرّاءُ: وَقَوْلُهُ سَفْعَةٌ أَيْ نَظْرَةٌ يَعْنِي: مِنْ الْجِنّ يَقُولُ بِهَا عَيْنٌ أَصَابَتْهَا مِنْ نَظَرِ الْجِنّ أَنْفَذُ مِنْ أَسِنّةِ الرّمَاحِ. وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ يَرْفَعُهُ إنّ الْعَيْنَ لَتُدْخِلُ الرّجُلَ الْقَبْرَ وَالْجَمَلَ الْقِدْرَ.
أَبِي سَعِيدٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَتَعَوّذُ مِنْ الْجَانّ وَمِنْ عَيْنِ الْإِنْسَانِ.